
مقدمة: عندما يصبح المزاج رهينة الأيام
قبل الدورة الشهرية، تجدين نفسكِ في زوبعة مزاجية لا ترحم. مرة تشعرين أنكِ على وشك البكاء، ومرة أخرى تغضبين على شيء تافه، وأحيانًا تشعرين وكأن العالم كله ضدكِ.
هل هذا مجرد «دلع»؟ هل هو في رأسك فقط؟ الجواب هو: لا.
ما يحدث لكِ هو نتيجة مزيج شديد التعقيد من التغيرات البيولوجية والهرمونية، وتفاعلات عصبية ونفسية، وحتى اجتماعية. إنها تجربة متكررة شهريًا، لكنها لا تُفهم كما ينبغي.
في هذا المقال، سنغوص في الأعماق: ما الذي يحدث في جسدكِ وعقلكِ؟ لماذا تتقلب مشاعركِ؟ وكيف يمكن التخفيف من كل هذا دون أن تشعري بالذنب؟
الفصل الأول: ما قبل العاصفة – التغيرات الهرمونية في جسدك
الدورة الشهرية ليست مجرد نزيف شهري، بل عملية شديدة التعقيد، تمر فيها المرأة بأربعة أطوار، أهمها “المرحلة الأصفرية”، وهي التي تسبق الدورة مباشرة.
✨ في هذه المرحلة:
- الإستروجين يبدأ بالانخفاض بعد ارتفاعه في فترة التبويض.
- البروجسترون يرتفع ثم ينهار فجأة.
- التغير في هذه الهرمونات يؤثر على كيمياء الدماغ، خاصة السيروتونين (هرمون السعادة).
النتيجة؟
- تقلبات مزاجية
- قلق غير مبرر
- رغبة في البكاء
- انفعال مفرط
- اضطرابات في النوم والشهية
🧠 دراسة منشورة على موقع Cleveland Clinic توضّح أن ما يُعرف بـ PMS (متلازمة ما قبل الطمث) يعاني منها أكثر من 75% من النساء.
الفصل الثاني: الدماغ في حالة طوارئ
عندما تتغير الهرمونات، يتأثر الدماغ مباشرة:
- تنخفض مستويات السيروتونين، فتصبحين أكثر عرضة للاكتئاب.
- يتأثر مركز العاطفة (اللوزة الدماغية) فيزداد نشاطه.
- ينخفض نشاط الفص الجبهي المسؤول عن اتخاذ القرار.
🔍 النتيجة؟ أنتِ تعيشين حرفيًا في دماغ مختلف.
ليس غريبًا إذًا أن تتصرفي بشكل غير معتاد. فبيولوجيًا، عقلكِ يمر بعاصفة كيميائية مؤقتة، لكنها حقيقية تمامًا.
الفصل الثالث: الضغط النفسي يزيد الطين بلّة
التوتر اليومي، مسؤوليات البيت، العمل، العلاقات، كلها عوامل تزيد من حدة تقلبات ما قبل الدورة.
الأعراض تتفاقم مع:
- قلة النوم
- التغذية السيئة (خاصة السكر والكافيين)
- غياب الدعم العاطفي
- الكبت العاطفي والخوف من “التقييم”
📖 وفقًا لـ Mayo Clinic، فإن التوتر النفسي يُعتبر أحد أبرز العوامل التي تزيد حدة أعراض PMS.
الفصل الرابع: PMDD – عندما يصبح الألم نفسيًا خالصًا
هل تعرفين أن هناك حالة أكثر حدة من PMS؟ إنها اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي PMDD.
ما هو؟
اضطراب نفسي معترف به رسميًا، تتفاقم فيه الأعراض لتصبح مشابهة للاكتئاب الشديد:
- نوبات بكاء حادة
- انعدام القيمة
- أفكار سوداوية
- رغبة في الانعزال
💡 نسبة المصابات به تُقدّر بـ 5–10% من النساء، وقد يتم تشخيصهن خطأً بالاكتئاب أو اضطراب القلق.
الفصل الخامس: لماذا لا نتحدث عن هذا؟
في مجتمعاتنا العربية، الحديث عن الدورة الشهرية ما زال محاطًا بالحرج. فكيف إذًا نتحدث عن “المزاج” قبلها؟
- “أنتِ تبالغي.”
- “ما بكِ دلعانة؟”
- “كل النساء هيك، ليش دراما؟”
هذه العبارات تؤدي إلى:
- إنكار المرأة لما تشعر به
- تأنيب الذات واللوم الداخلي
- مزيد من التوتر والاضطراب النفسي
📌 تجاهل الحديث عن هذه الأعراض يعمّق الجهل بها، ويمنع النساء من الحصول على الدعم أو العلاج المناسب.
الفصل السادس: كيف تتعاملين مع هذه المرحلة بذكاء ورحمة؟
✅ راقبي دورتك:
استخدمي تطبيقات مثل Clue أو Flo لتتوقعي أيام التوتر والتغيرات المزاجية.
✅ النوم الجيد:
قومي بتنظيم نومك. النوم القليل يزيد من حساسية المشاعر.
✅ غذي عقلك وجسدك:
- تناولي أطعمة غنية بـ المغنيسيوم وفيتامين B6
- قللي السكر والكافيين
- اشربي ماء بكثرة
✅ لا تُقاومي… لاحظي فقط
كلما قاومتِ مشاعركِ، كلما اشتدت. بدلًا من ذلك، اسمحي لنفسكِ أن تشعري… ثم مرريها.
✅ الدعم النفسي
إذا لاحظتِ أن الأعراض تعطل حياتكِ، لا تترددي في طلب مساعدة نفسية. العلاج السلوكي المعرفي CBT أثبت فعالية كبيرة في حالات PMS وPMDD.
الفصل السابع: عندما تفهمكِ من تحبين
أحيانًا، كل ما تحتاجينه هو شخص يفهم أنكِ لستِ “متقلبة”، بل تمرين بمرحلة شديدة الخصوصية.
كلمة بسيطة مثل:
“أنا معكِ، خذي راحتك.”
قد تغيّر يومكِ.
علمي شريكك، أختك، صديقتك بما تمرين به. الوعي يخلق دعمًا.
الفصل الثامن: PMS في العمل – التحدي الصامت
في بيئات العمل، النساء اللواتي يعانين من أعراض ما قبل الدورة غالبًا ما يُجبرن على “التمثيل”. لا مجال للضعف، ولا رحمة في التقييم.
كيف يظهر PMS في العمل؟
- تشتت ذهني
- سرعة انفعال
- انخفاض إنتاجية
- رغبة في الانعزال
📌 توعية فرق العمل والمديرين عن هذه الحالة يمكن أن يخلق بيئة أكثر تفهمًا، ويدعم الأداء النفسي والمهني للمرأة.
الفصل التاسع: هل هناك فوائد نفسية لفهم PMS؟
نعم. عندما تفهمين نفسكِ، وتعرفين ما الذي يحدث ولماذا، تبدأين باستعادة السيطرة.
- تتحولين من ضحية للمزاج إلى مراقِبة واعية.
- تبدأين في تنظيم نمط حياتك بما يتماشى مع دورتك.
- تقلّ الشكوك واللوم، ويزداد التقبل.
📚 دراسة من Harvard Medical School تشير إلى أن النساء اللواتي يستخدمن تتبع الدورة كأداة للتنظيم النفسي يتمتعن بثقة أعلى وتوازن مزاجي أكبر.
الفصل العاشر: PMS والعلاقات العاطفية – حين يتأرجح الحب مع الهرمونات
خلال الأيام التي تسبق الدورة، تتغير طريقة تعاملك مع من تحبين. ليس لأن الحب تغيّر، بل لأن جهازك العصبي يعيش في حالة تأهب.
أكثر المشاكل شيوعًا:
- الانفعال الزائد من مواقف بسيطة
- الرغبة في العزلة رغم الحاجة للاحتواء
- الإحساس بالرفض حتى دون مبرر
🔎 وفق دراسة نشرتها Journal of Psychosomatic Obstetrics & Gynecology، فإن النساء خلال فترة ما قبل الحيض أكثر عرضة للتوتر العاطفي وضعف في جودة العلاقات الزوجية.
كيف تحمين علاقتك؟
- أعلني لشريكك أن هذه الفترة قد تحمل تغيّرًا عاطفيًا.
- لا تتخذي قرارات مصيرية في هذا الوقت.
- اكتبي مشاعرك قبل أن تقوليها، فذلك يمنحك وعيًا بها.
💬 عبارة بسيطة من الشريك مثل: “أنا فاهم إنه يومك صعب” قد تمتص نصف العاصفة!
الفصل الحادي عشر: العلاج البديل – الأعشاب والتأمل واليوغا
في حين أن الطب التقليدي يقدم خيارات فعالة، إلا أن العلاجات البديلة أثبتت فعاليتها أيضًا، خاصة عند دمجها بأسلوب حياة متوازن.
🌿 أعشاب مساعدة:
- نبتة كف مريم (Vitex Agnus-Castus): فعالة في تخفيف أعراض PMDD، بحسب NIH.
- البابونج: يهدئ الأعصاب ويساعد على النوم
- الزنجبيل: يقلل من الانقباضات والمزاج السلبي
🧘♀️ التأمل واليوغا:
- تساعد على توازن الجهاز العصبي
- تقلل من مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر)
- تحسّن جودة النوم والتركيز
📌 تطبيقات مثل Headspace و Calm توفر جلسات موجهة مصممة خصيصًا لتقلبات الدورة الشهرية.
الفصل الثاني عشر: الدورة الشهرية والصحة العقلية طويلة الأمد
ما لا يُقال كثيرًا هو أن تكرار PMS دون إدارة صحيحة قد يساهم في تدهور الصحة النفسية مع الوقت:
- زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب المزمن
- ضعف في تقدير الذات والثقة بالنفس
- صعوبات في التواصل العاطفي والاجتماعي
📚 دراسة من PubMed بيّنت وجود علاقة قوية بين شدة أعراض PMS وارتفاع مؤشرات اضطرابات المزاج.
ما الحل؟
- اعتبار الدورة الشهرية نقطة مراقبة للصحة النفسية
- عدم التهاون بالأعراض المتكررة
- استخدام دفتر يوميات عاطفي لتتبع التغيرات النفسية خلال كل دورة
خاتمة: مزاجكِ ليس عيبًا، بل بوصلتك النفسية
كل موجة غضب، أو دمعة، أو انزعاج، ليست ضعفًا… بل لغة كيميائية تقول لكِ: “أنصتي لي، أنا أحتاجكِ الآن.”
كل دورة هي فرصة جديدة لفهم الذات، ومصالحة الجسد، ورعاية القلب.
لا تنكري ما تشعرين به… بل احمليه بلطف، كما تُحمل طفلة خائفة تحتاج فقط إلى يد حنونة.
وفي كل مرة تمرين بها من هذا النفق المظلم، تخرجين منه بوعيٍ أعمق… وكأنكِ تولدين من جديد.
لأنكِ امرأة، ولأنكِ إنسانة… ولأنكِ جديرة بأن يُفهم صوتكِ الداخلي، مهما كان هامسًا.
اكتشاف المزيد من صحتي تاج
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.